تولسـتوي ودوســتيفسكي
فـي الأدب العربـيّ - د.ممدوح أبو الوي
دراسـة - من منشورات اتحاد الكتاب العرب 1999
الــبـاب الأول :
الكاتب الروسي: ليف تولسـتوي والأدب العربـــي فــي القــرن العشـــرين
دراســــــة تطبيقــــية فـي الأدب المقـارن
مقـــدمــــــة:
كتب فلاديمير ايليتش لينين:"... إنّ تولستوي، إذ وصف هذه الحقبة التاريخية
من الحياة الروسيّة، قد استطاع أن يطرح في مؤلفاته عدداً كبيراً من المسائل
الهامة، وأن يسمو إلى درجةٍ من القدرة الفنية بحيث أنّ مؤلفاته شغلت إحدى
المراتب الأولى في كنزِ الأدب العالمي". (39ص69)- هذا ما كتبه لينين في
مقالته، "ل.ن.تولستوي". عام 1910. ويتابع لينين في المقالة نفسها فيقول إنّ
أدب تولستوي يعتبر خطوةً إلى الأمام في مضمار التطور الفني للإنسانية
جمعاء.
احتل تولستوي مكانةً مرموقةً في الأدب العربي، مقارنة مع الكتّاب
الأوروبيين الآخرين. وترك أدبه بصماتٍ واضحةً على الأدب العربي المعاصر
وعلى الآداب العالمية كلّها. لقد تأثر الأدب العربي بتولستوي ليس كفنانٍ،
فحسب، لا بل كمفكرٍ، وهذا أمر طبيعي.
".... إنّ النزعة التولستوية بمضمونها التاريخي الحقيقي هي إيديولوجية
النظام الشرقي، النظام الآسيوي"(39-ص85) .- يكتب فلاديمير ايليتش لينين في
عام 1911 في مقالته "تولستوي وعصره".
تميز تولستوي بإخلاصه لمصالح الشعب، وبإيمانه بقوى الشعب وبمستقبله،
وبإنسانيته الحقيقية، وبتطلعاته، إلى تصوير الحياة تصويراً صادقاً،
وبنضاله، الذي لا يعرف الهوادة ضد النظرية الرجعية "الفن من أجل الفن" جعلت
هذه الميزات كلّها، التي تميّز بها أدب تولستوي، جعلته أدباً عالمياً
وجماهيرياً، واسع الانتشار، ليس في روسيا، وفي البلدان العربية فحسب، بل في
العالم كلّه.
أبدى النقاد والأدباء العرب والسوفييت اهتمامهم بحضور فكر تولستوي في
الحياة الروحية للإنسان العربي. تزايد وتعاظم الاهتمام بموضوع العلاقات
الأدبية المتبادلة بين الأدب العربي والروسي بصورةٍ خاصةٍ وملحوظةٍ في
الفترة الأخيرة. ترجم الكثير من مؤلفات ليف تولستوي إلى اللغة العربية بعد
الحرب العالمية الثانية. كُتبَ الكثير حول أدب تولستوي في الوطن العربي.
ومع هذا فإنّ موضوع "تولستوي والأدب العربي في القرن العشرين"، غير مدروسٍ
دراسةً كافيةً وافيةً، لا في الاتحاد السوفييتي السابق، ولا في الوطن
العربي، ولذلك فإنّ هذا الموضوع فعّال وحيوي.
يلقى موضوع التأثير المتبادل والعلاقة المتبادلة بين الآداب العالمية
اهتماماً متزايداً في الوقت الحاضر. ولأسباب عديدةٍ، وليس من قبيل الصدفة،
أن يقع إبداع تولستوي في مركز اهتمام الشخصيات الأدبية والثقافية
والاجتماعية العربية. فالأسباب واضحة وتتلخص في أنّ تولستوي انتقد بصدقٍ
وبلا رحمةٍ عيوب مجتمعه. بكلّ أشكالها ومظاهرها، وفي الوقت ذاته دافع عن
مصالح الجماهير الفلاحية في روسيا، وعبّر عن آمالهم وطموحاتهم وتطلعاتهم.
إنّ بحث موضوع استيعاب إبداع تولستوي في البلدان العربية ضروري لتوسيع
المعلومات حول المضمون العالمي لتراث تولستوي، وكذلك ضروري من أجل دراسة
العلاقات الأدبية المتبادلة. وبلا دراسةٍ علميةٍ جديةٍ لتراث تولستوي
الفلسفي والفني في البلاد العربية، لا يمكن وضع تصورٍ كافٍ وكاملٍ حول
المعنى العالمي لأدب الكاتب الروسي، الذي قدّم للإنسانية. كما يقول
فلاديمير ايليتش لينين:".... روائع الأدب العالمي".(40-ص11) .
أغنى تراث تولستوي الأدب العربي وتغلغل إلى أعماقه، ولكن حتى الآن لا يوجد
في المكتبة العربية، ولا في المكتبة الروسية كتاب بعنوان "ل.ن. تولستوي
والأدب العربي في القرن العشرين"، ولذلك فإنّ هذه الدراسة تحاول سدّ هذا
النقص. ونستطيع القول إنّ هذه الدراسة تعالج موضوعاً جديداً في مجال الأدب
المقارن.
نقدم، لأول مرةٍ، تحليلاً موضوعياً لاستيعاب إبداع ليف تولستوي ولمعرفته في
البلاد العربية.
وكذلك لأول مرةٍ، في أثناء دراسة تأثير أدب ليف تولستوي على الأدب العربي
المعاصر نقدم تحليلاً لترجمة مؤلفات تولستوي إلى اللغة العربيّة. ونقدم
رسائل الشيخ محمد عبده إلى تولستوي.
لم يتطرق النقد الأدبي العربي، وكذلك لم يتطرق النقد الأدبي الروسي إلى
موضوع مقارنة نظرات ليف تولستوي حول الديانات وحول رجال الدين مع نظرات
الكتّاب والشعراء العرب حول الموضوع المذكور. كما أنّ النقد الأدبي، لم
يخصص موضوعاً لتأثير فلسفة ليف تولستوي على فلسفة ميخائيل نعيمة.
وهكذا فإنّ هذا العمل العلمي، يطرق باباً، لم يطرق سابقاً، وهو طرح ومعالجة
مسائل تأثير إبداع تولستوي على الأدب العربي المعاصر.
تعرف القراء الروس، أول مرةٍ، على اهتمام المواطنين العرب بشخصية وبإبداع
ل.ن. تولستوي من مذكرات س.يا.يلباتيفسكي بعنوان "مصر" التي نشرها في عام
1909، والتي عبّر بها عن انطباعاته التي تركتها بنفسه زيارته لمصر. يعتبر-
ي. يو.كراتشكوفسكي أول مستعربٍ روسي اهتم ودرس الدور، الذي لعبه ويلعبه
إبداع تولستوي في بلدان المشرق العربي. نشر الأكاديمي ي.يو.كراتشكوفسكي في
عام 1910 مقالةً "في مجلة "الآداب الأجنبية" العدد (12) بعنوان "الكتّاب
الرّوس في الأدب العربي". نشرت المقالة بمناسبة وفاة الكاتب الروسي العظيم
ليف تولستوي. تتضمن المقالة دراسةً لترجمة مؤلفات الكتّاب الروس إلى اللغة
العربية، ومع تقديم بعض المعلومات عن المترجمين. جديرة بالاهتمام دراسة
أ.أ.ديميتريفسكي، بعنوان:"الأدب الروسي بالترجمة العربية"، التي نشرت في
عام 1915، كما نشر الناقد: ب.ي.بيريوكوف دراسة" بعنوان "تولستوي والشرق"،
وذلك في عام 1924، وبعد أقل من نصف قرن أصدر أ.ي.شيفمن كتاباً بعنوان "ليف
تولستوي والشرق"، الذي صدر عام 1971، كما أصدرت الدكتورة آنّا أركاييفنا
دالينينا أكثر من دراسةٍ حول هذا الموضوع، نذكر منها "الأدب الروسي في
البلدان العربية"، نشرت هذه الدراسة عام 1960. ومقالةً بعنوان "من تاريخ
العلاقات الأدبية العربيّة الروسيّة"(1963)، وتدرس المقالة مسرحية الكاتب
العربي ميخائيل نعيمة (الآباء والبنون) . ونشرت الدكتورة آنا دالينينا-
أستاذة الأدب العربي في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة لينينغراد
الحكومية، نشرت مقالةً "بعنوان لحن كريتسر، لتولستوي وترجمة هذه القصة من
الروسية إلى العربية". نشرت هذه المقالة في عام 1973. أمّا "لحن كريتسر"
فترجمت إلى اللغة العربية في عام 1903 في القاهرة. ترجمها من اللغة
الروسيّة سليم قبعين.
وجدت هذه الأعمال مادة غنيّة، وأفكاراً مهمةً، ساعدتني في دراسة موضوع: ليف
تولستوي والأدب العربي.
وأثناء كتابة هذه الدراسة، استفدنا من أعمال الباحثين حول حياة ليف تولستوي
وإبداعه. نذكر من هؤلاء الباحثين ن.ن.غوسيف ي.ي.زايد نشنور،
ي.أ.كوبريانوفي، ك.ن.لومونوف، ي.أ.مايمين ل.د.اوبولسكي، م.ب.غرابتشينكو.
وهناك مؤلفون وكتب كثيرة استفدنا منها، وبدونها من الصعب فهم واستيعاب
روائع الكاتب الروسي الخالد. واستفدت من البحوث والدراسات حول الأدب
العربي، لأنّها ضرورية لفهم إبداع الأدباء العرب، الذين، بشكلٍ أو بآخر،
لهم علاقة بأدب تولستوي وبأفكاره.
يجدّ كلّ مايكتب، في بلدٍ ما، في وقتنا الحاضر، وبأية لغةٍ تأثيراً له في
البلاد الأخرى، وفي آداب الشعوب الأخرى، وعادةً يكون التأثير سريعاً. تتأثر
آداب شعوب الأرض بكاملها بعضها ببعضها الآخر ولا يوجد في زمننا الحاضر أدب
منغلق على نفسه. ووقع ليف تولستوي تحت تأثير آداب شعوبٍ كثيرةٍ. والمواد
الكثيرة التي نعالجها في دراستنا هذه، تجمعها الأفكار التي جمعت بين نظرات
تولستوي ونظرات الكتّاب العرب إلى الوجود، وإلى الحياة. يجرنا الحديث حول
تولستوي إلى الحديث حول الفلسفة، وحول التاريخ، وحول الدين وحول الإلحاد،
فهذه العلوم الإنسانية مترابطة، ويتأثر بعضها ببعض ولها علاقة وثيقة
بالأدب. فهم الأدباء والقراء العرب، تولستوي في كثيرٍ من الأحيان، على أنّه
فيلسوف أو حكيم، أكثر مما فهموه على أنّه كاتب وفنان وأديب ومسرحي وروائي،
فقد رأى بعضهم فيه، أحياناً، مناضلاً في سبيل الإيمان الحقيقي الصحيح، أو
مناضلاً ضد الكنيسة، أو مناضلاً في سبيل حصول الفلاحين على حقوقهم. وكان
هؤلاء جميعاً على حقٍ، أو على الأقل على جانبٍ كبيرٍ من الحق، لأنّ تولستوي
لم يكن فناناً فحسب، بل كان إنساناً، يعيش اهتمامات عصره ومشاكله.
حاولنا في هذا العمل إثبات قانونية عملية تأثير إبداع وتعاليم "ل.ن.تولستوي
على تطور الأدب العربي، والنقد العربي، وكذلك على نشاط الترجمة، وبوجهٍ
خاصٍ في مطلع القرن العشرين، أيّ قبل الحرب العالمية الأولى، وقبل قيام
الثورة الاشتراكية في روسيا، في عام 1917.
يمكن الاستفادة من هذا العمل في عملية فهم دور إبداع تولستوي في الأدب
العالمي، كما يمكن الاستفادة من هذا البحث في دراسة العلاقات الأدبية
العربية-الروسية.
يتألف هذا البحث من مقدمة وثلاثة أجزاء وخاتمة، وملحق، وقائمة بعناوين
المصادر.
نتحدث في المقدمة حول تاريخ الموضوع، وحول البحوث في هذا الموضوع، كما
نتحدث عن وظائف هذا البحث وأهدافه الرئيسية.
يخصص الجزء الأول لدراسة تاريخ معرفة القراء العرب أدب تولستوي، لم يكن هذا
التاريخ متواصلاً، بل عرف فترات لا مبالاة، وهبوطٍ، وارتبط ذلك بالعلاقات
السياسية بين البلاد العربية وبين روسيا. وأتحدث في هذا الجزء عن علاقة
تولستوي بالأدب العربي وبالكتّاب والقراء العرب.
تحدثنا في الجزء الأول عن مقالات الكتّاب العرب حول تولستوي كما تحدثنا عن
الرسائل، التي وصلت إلى تولستوي من البلاد العربية، كتب إلى تولستوي قراء
عاديون مثل مواطنة سورية اسمها رمزية. كما كتب له مفكرون عرب كبار مثل
الشيخ محمد عبده، رئيس جامعة الأزهر، في مطلع القرن العشرين، مفتي الديار
المصرية. وقيّم عالياً روائع الكاتب الروسي ليف تولستوي، وتفهم الكثير من
أفكاره.
نتحدث في هذه الدراسة حول رثاء أمير الشعراء أحمد شوقي لتولستوي، وحول رثاء
حافظ إبراهيم لتولستوي، ونتحدث حول رثاء جميل صدقي الزهاوي للكاتب الروسي.
كما نقدّم تحليلاً للدراسات العربية حول تولستوي، ونبدي ملاحظاتنا على
ترجمة مؤلفات تولستوي إلى اللغة العربيّة. ونبيّن سبب اختيار هذا المؤلف
وليس غيره للترجمة ومدى تطابق الترجمة مع الأصل، وسبب عدم التطابق أحياناً،
حيث أنّ المترجم يسخّر أعمال تولستوي لنشر فكرةٍ معينةٍ، في زمنٍ معينٍ
وفي بلدٍ معينٍ. ونبيّن عيوب هذه الترجمة، إذ تغيب عنها الفكرة الأساسية من
العمل الإبداعي، أيّ الفكرة التي يهدف إليها تولستوي من عمله، ونبيّن سبب
غياب الفكرة الأساسية. هل تعمد المترجم ذلك، أو أنّه لم يتفهم العمل الذي
ترجمه؟
وكان الجزء الثاني بعنوان "الأفكار الفلسفية والغيبية والدينية والاجتماعية
عند تولستوي وبعض الأدباء العرب". انتقد ليف تولستوي الكنيسة ولم تكن
الكنيسة، بدورها، غير مباليةٍ، بنقد تولستوي لها. فعاقبته بالحرمان، الذي
شكّل أحد أسباب شعبيته وجماهيريته، كتب ب.ي.بيريوكوف:"أراد المجتمع المقدس،
أن يقضي على تأثير تولستوي على الشعب، فحرمه من الكنيسة، ولكن المجمع
المقدس أخطأ بذلك، لأنّه ساعد تولستوي على كسب الشهرة العالمية"
(92- ص 392) .
حازت أفكار تولستوي على شهرةٍ عالميةٍ، بما في ذلك، انتشرت في البلاد
العربية. ونلاحظ في المشرق العربي موجةً قويةً في مطلع القرن العشرين
للإصلاح. عبّر عن هذا الاتجاه الكاتب أمين الريحاني، وفرح أنطون، وميخائيل
نعيمه، وجبران خليل جبران، ومصطفى لطفي المنفلوطي والياس فرحات، وندره
حداد.
نادى كثير من الأدباء العرب بتخليص الدين من القشور، وبإعادة صفائه إليه،
وبالتركيز على الحقائق. فكان الجزء الثاني من هذه الدراسة حول هذا الموضوع،
ومقارنة هذه الأفكار بنظرات تولستوي حول هذا الموضوع الذي طالما أقلقه إلى
آخر ساعات حياته.
وفي الجزء الثالث أجري مقارنة بين "ميخائيل نعيمة وليف تولستوي" وأتحدث في
هذا الجزء عن المدارس الروسية، التي افتتحتها الجمعية الروسية الفلسطينية
في نهاية القرن التاسع عشر وفي مطلع القرن العشرين في كلٍّ من سوريا
وفلسطين ولبنان، لعبت هذه المدارس دوراً كبيراً في نشر الأدب الروسي في
البلاد العربية. وتخرج ميخائيل نعيمة (1889-1988) من إحدى هذه المدارس.
وعلى حدّ قوله، قرأ وأعاد قراءة الكتّاب الروس البارزين جميعاً. ولاحظ كلّ
من ي.يو.كراتشكوفسكي وأ.أ.دالينينا تأثير الأدب الروسي على إبداعه.
حاولت في هذا الجزء الكشف عن تبني ميخائيل نعيمه لفلسفة تولستوي وللجوانب
الإيجابية والسلبية في هذه الفلسفة. تبني ميخائيل نعيمه نقاط الضعف، والقوة
في فلسفة تولستوي. وقدّمنا تحليلاً لأعماله من هذه الزواية. فتعرضنا
لمسرحيته "الآباء والبنون"(1917) ولمجموعته القصصية "كان ياما كان"(1927) ،
ولكتابه "دوروب"(1932) ولكتابه "جبران خليل جبران"(1934) ولمؤلفاته
"البيادر" (1945) "مرداد" (1947) ، "أكابر"(1956) ، "أبعد من موسكو ومن
واشنطن"(1957) ، "أبو بطّه"(1958) ، "سبعون"(1959) ، "اليوم الأخير"(1963)
.
وفي نهاية الدراسة أقدم الاستنتاجات، التي توصلت إليها.
وفي الملحق أقدم انطباعات الزوار العرب لمتحفي تولستوي في موسكو وفي قريته
ياسنايا بوليانا.
TOPIC :
تولسـتوي ودوســتيفسكي فـي الأدب العربـيّ - د.ممدوح أبو الوي SOURCE :
Linguistic Studies ** http://languages.forumactif.org/